كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج



(قَوْلُ الْمَتْنِ: أَوْ سِجِلًّا بِمَا حَكَمَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ لِأَلْفَاظِ الْحُكْمِ الْمُتَدَاوَلَةِ فِي التَّسْجِيلَاتِ مَرَاتِبَ أَدْنَاهَا الثُّبُوتُ الْمُجَرَّدُ وَهُوَ أَنْوَاعٌ: ثُبُوتُ اعْتِرَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَثَلًا بِجَرَيَانِ الْبَيْعِ، وَثُبُوتُ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ مِنْ ذَلِكَ، وَثُبُوتُ نَفْسِ الْجَرَيَانِ وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ كَمَا صَحَّحَاهُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ صِحَّةُ الدَّعْوَى وَقَبُولُ الشَّهَادَةِ فَهُوَ بِمَثَابَةِ سَمِعْت الْبَيِّنَةَ وَقَبِلْتهَا وَلَا إلْزَامَ فِي ذَلِكَ، وَالْحُكْمُ إلْزَامٌ وَأَعْلَاهَا الثُّبُوتُ مَعَ الْحُكْمِ، وَالْحُكْمُ أَنْوَاعٌ سِتَّةٌ: الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ مَثَلًا، وَالْحُكْمُ بِمُوجَبِهِ، وَالْحُكْمُ بِمُوجَبِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ، وَالْحُكْمُ بِمُوجَبِ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ، وَالْحُكْمُ بِمُوجَبِ مَا أَشْهَدَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَالْحُكْمُ بِثُبُوتِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ.
وَأَدْنَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ هَذَا السَّادِسُ وَهُوَ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَكُونَ حُكْمًا بِتَعْدِيلِ الْبَيِّنَةِ.
وَفَائِدَتُهُ عَدَمُ احْتِيَاجِ حَاكِمٍ آخَرَ إلَى النَّظَرِ فِيهَا وَجَوَازُ النَّقْلِ فِي الْبَلَدِ.
وَأَعْلَاهَا الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ، أَوْ بِالْمُوجَبِ أَعْنِي الْأَوَّلَيْنِ وَأَمَّا هَذَانِ فَلَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَعْلَى مِنْ الْآخَرِ بَلْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْيَاءِ فَفِي شَيْءٍ يَكُونُ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ أَعْلَى مِنْ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ وَفِي شَيْءٍ يَكُونُ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، فَإِذَا كَانَتْ يُخْتَلَفُ فِيهَا وَحَكَمَ بِهَا مَنْ يَرَاهَا كَانَ حُكْمُهُ بِهَا أَعْلَى مِنْ حُكْمِهِ بِالْمُوجَبِ؛ مِثَالُهُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ فَالشَّافِعِيُّ يَرَى صِحَّتَهُ، وَالْحَنَفِيُّ يَرَى فَسَادَهُ فَإِذَا حَكَمَ بِصِحَّتِهِ شَافِعِيٌّ كَانَ حُكْمُهُ بِهَا أَعْلَى مِنْ حُكْمِهِ بِمُوجَبِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ فِي الْأَوَّلِ حُكْمٌ بِالْمُخْتَلَفِ بِهِ قَصْدًا وَفِي الثَّانِي يَكُونُ حُكْمُهُ بِهِ ضِمْنًا؛ لِأَنَّهُ فِي الثَّانِي إنَّمَا حَكَمَ قَصْدًا بِتَرَتُّبِ أَثَرِ الْبَيْعِ عَلَيْهِ وَاسْتَتْبَعَ هَذَا الْحُكْمُ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الشَّيْءِ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ صَحِيحًا.
وَمِثْلُ هَذَا تَعْلِيقُ طَلَاقِ الْمَرْأَةِ عَلَى نِكَاحِهَا فَالشَّافِعِيُّ يَرَى بُطْلَانَهُ، وَالْمَالِكِيُّ يَرَى صِحَّتَهُ فَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ مَالِكِيٌّ صَحَّ وَاسْتَتْبَعَ حُكْمَهُ بِهِ الْحُكْمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ إذَا وُجِدَ السَّبَبُ وَهُوَ النِّكَاحُ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَكَمَ بِمُوجَبِ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ يَكُونُ حُكْمُهُ مُتَوَجِّهًا إلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ قَصْدًا لَا ضِمْنًا فَيَكُونُ لَغْوًا؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ لَمْ يُوجَدْ فَهُوَ حُكْمٌ بِالشَّيْءِ قَبْلَ وُجُودِهِ فَلَا يُمْنَعَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَحْكُمَ بَعْدَ النِّكَاحِ بِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ وَعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ مُتَّفَقًا عَلَى صِحَّتِهِ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِهَا كَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ أَيْ: يَكُونُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ فِيهِ أَعْلَى مِنْ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ، مِثَالُهُ التَّدْبِيرُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ فَإِذَا حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِصِحَّتِهِ لَا يَكُونُ حُكْمُهُ مَانِعًا لِلشَّافِعِيِّ مِنْ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِمُوجَبِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّ حُكْمَهُ بِذَلِكَ يَكُونُ حُكْمًا بِبُطْلَانِ بَيْعِهِ فَهُوَ مَانِعٌ مِنْ حُكْمِ الشَّافِعِيِّ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ وَهَلْ يَكُونُ حُكْمُ الشَّافِعِيِّ بِمُوجَبِ التَّدْبِيرِ حُكْمًا بِصِحَّةِ بَيْعِهِ حَتَّى لَا يَحْكُمَ الْحَنَفِيُّ بِفَسَادِهِ؟
الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأُشْمُونِيُّ لَا؛ لِأَنَّ جَوَازَ بَيْعِهِ لَيْسَ مِنْ مُوجَبِ التَّدْبِيرِ بَلْ التَّدْبِيرُ لَيْسَ مَانِعًا مِنْهُ وَلَا مُقْتَضِيًا لَهُ نَعَمْ جَوَازُ بَيْعِهِ مِنْ مُوجِبَاتِ الْمِلْكِ فَلَوْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجَبِ الْمِلْكِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ مَانِعًا لِلْحَنَفِيِّ مِنْ الْحُكْمِ بِبُطْلَانِ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ حِينَئِذٍ قَدْ حَكَمَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ ضِمْنًا.
وَمِثْلُ التَّدْبِيرِ بَيْعُ الدَّارِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ فَإِذَا حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِصِحَّتِهِ لَا يَكُونُ حُكْمُهُ مَانِعًا لِلْحَنَفِيِّ مِنْ الْحُكْمِ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ وَإِذَا حَكَمَ بِمُوجَبِ الْبَيْعِ كَانَ حُكْمُهُ بِهِ مَانِعًا لِلْحَنَفِيِّ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِصِحَّةِ إجَارَةٍ لَا يَكُونُ حُكْمُهُ مَانِعًا لِلْحَنَفِيِّ مِنْ الْحُكْمِ بِفَسْخِهَا بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَآجِرَيْنِ، وَإِنْ حَكَمَ الشَّافِعِيُّ فِيهَا بِالْمُوجَبِ فَالظَّاهِرُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ أَنَّ حُكْمَهُ يَكُونُ مَانِعًا لِلْحَنَفِيِّ مِنْ الْحُكْمِ بِالْفَسْخِ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّافِعِيِّ بِالْمُوجَبِ قَدْ يَتَنَاوَلُ الْحُكْمَ بِانْسِحَابِ بَقَاءِ الْإِجَارَةِ ضِمْنًا، وَقَدْ بَانَ لَك أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ يَسْتَلْزِمُ الصِّحَّةَ بِالْمُوجَبِ وَعَكْسَهُ، وَهَذَا غَالِبٌ لَا دَائِمٌ فَقَدْ يَتَجَرَّدُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ.
مِثَالُ تَجَرُّدِ الصِّحَّةِ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ أَثَرُهُ فَيُحْكَمُ فِيهِ بِالصِّحَّةِ وَلَا يُحْكَمُ فِيهِ بِالْمُوجَبِ.
وَمِثَالُ تَجَرُّدِ الْمُوجَبِ الْخُلْعُ، وَالْكِتَابَةُ عَلَى نَحْوِ خَمْرٍ فَإِنَّهُمَا فَاسِدَانِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا أَثَرُهُمَا مِنْ الْبَيْنُونَةِ، وَالْعِتْقِ وَلُزُومِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَالْقِيمَةِ فَيُحْكَمُ فِيهِمَا بِالْمُوجَبِ دُونَ الصِّحَّةِ، وَكَذَا الرِّبَا، وَالسَّرِقَةُ وَنَحْوُهُمَا يُحْكَمُ فِيهِ بِالْمُوجَبِ دُونَ الصِّحَّةِ وَيَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ بِمُوجَبِ الْبَيْعِ مَثَلًا كَمَا أَوْضَحْته عَلَى ثُبُوتِ مِلْكِ الْمَالِكِ وَحِيَازَتِهِ وَأَهْلِيَّتِهِ وَصِحَّةِ صِيغَتِهِ فِي مَذْهَبِ الْحَاكِمِ.
وَقَالَ ابْنُ قَاسِمٍ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ شُهْبَةَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ، وَالْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَسْتَدْعِي صِحَّةَ الصِّيغَةِ وَأَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ، وَالْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ يَسْتَدْعِي ذَلِكَ وَكَوْنَ التَّصَرُّفِ صَادِرًا فِي مَحَلِّهِ.
وَفَائِدَتُهُ فِي الْأَثَرِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَلَوْ وَقَفَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَحَكَمَ بِمُوجَبِهِ حَاكِمٌ كَانَ حُكْمًا مِنْهُ بِأَنَّ الْوَاقِفَ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ.
وَصِيغَةُ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ صَحِيحَةٌ حَتَّى لَا يَحْكُمَ بِبُطْلَانِهَا مَنْ يَرَى الْإِبْطَالَ وَلَيْسَ حُكْمًا بِصِحَّةِ وَقْفِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى كَوْنِهِ مَالِكًا لِمَا وَقَفَهُ حِينَ وَقَفَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ. اهـ. مُغْنِي.
(قَوْلُهُ: وَنَحْوَ الْوَقْفِ) كَالْوَصِيَّةِ، وَالْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ. اهـ. ع ش.
(قَوْلُ الْمَتْنِ: وَيُسْتَحَبُّ) أَيْ: لِلْقَاضِي نُسْخَتَانِ أَيْ: بِمَا وَقَعَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبَا ذَلِكَ. اهـ. مُغْنِي.
(قَوْلُهُ: تُدْفَعُ لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْحَقِّ لِيَنْظُرَ فِيهَا وَيَعْرِضَهَا عَلَى الشُّهُودِ؛ لِئَلَّا يَنْسَوْا. اهـ. مُغْنِي.
(قَوْلُ الْمَتْنِ: تُحْفَظُ فِي دِيوَانِ الْحُكْمِ) وَيَضَعُهَا فِي حِرْزٍ لَهُ، وَمَا يَجْتَمِعُ عِنْدَ الْحَاكِمِ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ، وَيُكْتَبُ عَلَيْهِ مَحَاضِرُ كَذَا فِي شَهْرِ كَذَا فِي سَنَةِ كَذَا وَإِذَا احْتَاجَ إلَيْهِ تَوَلَّى أَخْذَهُ بِنَفْسِهِ وَنَظَرَ أَوَّلًا إلَى خَتْمِهِ وَعَلَامَتِهِ. اهـ. مُغْنِي.
(قَوْلُهُ: مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى رَأْسِهَا. اهـ. مُغْنِي.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْخَصْمُ ذَلِكَ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَيُسْتَحَبُّ نُسْخَتَانِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَالْأُخْرَى تُحْفَظُ إلَخْ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ صَنِيعُهُ.
(وَإِذَا حَكَمَ بِاجْتِهَادٍ) وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ، أَوْ بِاجْتِهَادِ مُقَلَّدِهِ (ثُمَّ بَانَ) أَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ (خِلَافَ نَصِّ الْكِتَابِ، أَوْ السُّنَّةِ) الْمُتَوَاتِرَةِ، أَوْ الْآحَادِ (أَوْ) بَانَ خِلَافَ (الْإِجْمَاعِ)، وَمِنْهُ مَا خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ (أَوْ) خِلَافَ (قِيَاسٍ جَلِيٍّ)، وَهُوَ مَا يَعُمُّ الْأُولَى، وَالْمُسَاوِيَ قَالَ الْقَرَافِيُّ: أَوْ خَالَفَ الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: أَوْ كَانَ حُكْمًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ أَيْ: قَطْعًا فَلَا نَظَرَ؛ لِمَا بَنُوهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ النَّقْضِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ قَالَ بِهَا غَيْرُهُمْ لِأَدِلَّةٍ عِنْدَهُ.
قَالَ السُّبْكِيُّ: أَوْ خَالَفَ الْمَذَاهِبَ الْأَرْبَعَةَ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ أَيْ: لِمَا يَأْتِي عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ (نَقَضَهُ) أَيْ: أَظْهَرَ بُطْلَانَهُ وُجُوبًا، وَإِنْ لَمْ يُرْفَعْ إلَيْهِ (هُوَ وَغَيْرُهُ) بِنَحْوِ: نَقَضْته أَوْ أَبْطَلْته، أَوْ فَسَخْته إجْمَاعًا فِي مُخَالِفِ الْإِجْمَاعِ وَقِيَاسًا فِي غَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ هُنَا الظَّاهِرُ عَلَى مَا فِي الْمَطْلَبِ عَنْ النَّصِّ لَا مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ السُّبْكِيّ: فَمَتَى بَانَ الْخَطَأُ قَطْعًا، أَوْ ظَنًّا نُقِضَ الْحُكْمُ قَالَ: أَمَّا مُجَرَّدُ التَّعَارُضِ لِقِيَامِ بَيِّنَةٍ بَعْدَ الْحُكْمِ، بِخِلَافِ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ الَّتِي حَكَمَ بِهَا فَلَا نَقْلَ فِيهِ.
وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ أَنَّهُ لَا نَقْضَ فِيهِ وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِهِ وَكَأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا يَأْتِي عَنْهُ قُبَيْلَ فَصْلِ الْقَائِفِ مَعَ بَيَانِ أَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ قَطَعَ بِمَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ أُبْطِلَ وَإِلَّا فَلَا عَلَى أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِتَبَيُّنِ بُطْلَانِهِ إذَا بَانَ فِسْقُ شَاهِدِهِ أَوْ رُجُوعُهُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، لَكِنْ لَا يَرِدُ هَذَا عَلَى السُّبْكِيّ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مُعَارِضًا بَلْ رَافِعًا وَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا.
وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: بِاجْتِهَادٍ خِلَافًا لِمَنْ أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ مَا لَوْ حَكَمَ بِنَصٍّ، ثُمَّ بَانَ نَسْخُهُ أَوْ خُرُوجُ تِلْكَ الصُّورَةِ عَنْهُ بِدَلِيلٍ.
وَيُنْقَضُ أَيْضًا حُكْمُ مُقَلِّدٍ بِمَا يُخَالِفُ نَصَّ إمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَنَصِّ الشَّارِعِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُجْتَهِدِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَاعْتَمَدَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَأَلْحَقَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ حُكْمَ غَيْرِ مُتَبَحِّرٍ بِخِلَافِ الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَيْ: لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَقِ عَنْ رُتْبَةِ التَّقْلِيدِ وَحُكْمَ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، وَإِنْ وَافَقَ الْمُعْتَمَدَ أَيْ: مَا لَمْ يَكُنْ قَاضِيَ ضَرُورَةٍ؛ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَنْفُذُ حُكْمُهُ بِالْمُعْتَمَدِ فِي مَذْهَبِهِ.
وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ، بِخِلَافِ الرَّاجِحِ فِي الْمَذْهَبِ.
وَبِعَدَمِ الْجَوَازِ وَصَرَّحَ السُّبْكِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ فَتَاوِيه فِي الْوَقْفِ وَأَطَالَ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ الْحُكْمِ، بِخِلَافِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَى الْمُجْتَهِدِينَ أَنْ يَأْخُذُوا بِالرَّاجِحِ وَأَوْجَبَ عَلَى غَيْرِهِمْ تَقْلِيدَهُمْ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْعَمَلُ بِهِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مُرَادَ الْأَوَّلِينَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِهِ فَيَجِبُ نَقْضُهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ عَنْ أَصْلِ الرَّوْضَةِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَتَبِعُوهُ: وَيَنْفُذُ حُكْمُ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّرْجِيحِ إذَا رَجَّحَ قَوْلًا وَلَوْ مَرْجُوحًا فِي مَذْهَبِهِ بِدَلِيلٍ جَيِّدٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِشَاذٍّ، أَوْ غَرِيبٍ فِي مَذْهَبِهِ إلَّا إنْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ وَلَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِ الْتِزَامُ مَذْهَبٍ بِاللَّفْظِ، أَوْ الْعُرْفِ كَقَوْلِهِ: عَلَى قَاعِدَةِ مَنْ تَقَدَّمَهُ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ إجْمَاعًا تَقْلِيدُ غَيْرِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فِي قَضَاءٍ، وَلَا إفْتَاءٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا. اهـ.
وَسَبَقَهُ إلَى صِحَّةِ ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَاوَرْدِيُّ وَخَالَفَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ.
وَمَرَّ آنِفًا لِذَلِكَ مَزِيدٌ قَالَ الْبَغَوِيّ: وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِالصِّحَّةِ فِي قَضِيَّةٍ مِنْ بَعْضِ وُجُوهِ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا فَلِمُخَالَفِهِ الْحُكْمُ بِفَسَادِهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَصَغِيرَةٍ زَوَّجَهَا غَيْرُ مُجْبِرٍ بِغَيْرِ كُفْءٍ وَيَلْزَمُهُ التَّسْجِيلُ بِالنَّقْضِ إنْ سَجَّلَ بِالْمَنْقُوضِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمَتَى نَقَضَ حُكْمَ غَيْرِهِ سُئِلَ عَنْ مُسْتَنَدِهِ وَقَوْلُهُمْ: لَا يُسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ مُسْتَنَدِهِ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ نَقْضًا أَيْ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ فَاسِقًا، أَوْ جَاهِلًا كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ.
(لَا) مَا بَانَ خِلَافَ قِيَاسٍ (خَفِيٍّ)، وَهُوَ مَا لَا يَبْعُدُ احْتِمَالُ الْفَارِقِ فِيهِ كَقِيَاسِ الذُّرَةِ عَلَى الْبُرِّ فِي الرِّبَا بِجَامِعِ الطَّعْمِ فَلَا يَنْقُضُهُ لِاحْتِمَالِهِ.
الشَّرْحُ:
(قَوْلُهُ: عَلَى مَا يَأْتِي عَنْهُ قُبَيْلَ فَصْلِ الْقَائِفِ) عِبَارَتُهُ هُنَاكَ: وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِاحْتِيَاجِ نَحْوِ يَتِيمٍ لِبَيْعِ مَالِهِ وَأَنَّ قِيمَتَهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فَبَاعَهُ الْقَيِّمُ بِهِ وَحَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ ثُمَّ قَامَتْ أُخْرَى بِأَنَّهُ بَيْعٌ بِلَا حَاجَةٍ، أَوْ بِأَنَّ قِيمَتَهُ مِائَتَانِ نُقِضَ الْحُكْمُ وَحُكِمَ بِفَسَادِ الْبَيْعِ عِنْدَ ابْنِ الصَّلَاحِ قَالَ: لِأَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ بِنَاءً عَلَى سَلَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ، وَلَمْ تَسْلَمْ فَهُوَ كَمَا لَوْ أُزِيلَتْ يَدُ دَاخِلٍ بِبَيِّنَةِ خَارِجٍ، ثُمَّ أَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً فَإِنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ لِذَلِكَ وَخَالَفَهُ السُّبْكِيُّ قَالَ: لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يُنْقَضُ بِالشَّكِّ إذْ التَّقْوِيمُ حَدْسٌ وَتَخْمِينٌ وَقَدْ تَطَّلِعُ بَيِّنَةُ الْأَقَلِّ عَلَى عَيْبٍ فَمَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ وَإِنَّمَا نُقِضَ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْيَدِ أَيْ: الثَّابِتَةِ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ هُنَاكَ وَمِنْهُ هَذَا.
وَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ اعْتِمَادُهُ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِ السُّبْكِيّ بِالشَّكِّ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا بَقِيَتْ الْعَيْنُ بِصِفَاتِهَا وَقُطِعَ بِكَذِبِ الْأُولَى، وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا تَلِفَتْ، وَلَا تَوَافُقَ وَلَمْ يُقْطَعْ بِكَذِبِ الْأُولَى.
وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا كَلَامَ ابْنِ الصَّلَاحِ وَرَّدَ كَلَامَ السُّبْكِيّ إلَخْ. اهـ.